تاريخ بداية التقويم الهجري

من وضع التاريخ الهجري؟

التاريخ الهجري هو تقويم قمري يُستخدم في معظم الدول الإسلامية حول العالم، ويُعتبر مرجعاً أساسياً في تحديد مواعيد العبادات والمناسبات الدينية. ورغم أن النظام الهجري قد شهد تطوراً على مر العصور، إلا أن بداية هذا التاريخ كانت نقطة انطلاق هامة في تحديد الإطار الزمني للمجتمع الإسلامي. لذلك، تتنوع الأسئلة المتعلقة بتحديد من وضع التاريخ الهجري وكيفية نشوئه، بالإضافة إلى التعديلات التي طرأت عليه خلال الحقبات المختلفة.

بداية التاريخ الهجري

بدأ التاريخ الهجري مع الهجرة النبوية الشريفة في العام 622 ميلادي، وهي تلك الحادثة الفاصلة التي غادر فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة. لم يكن المسلمون في ذلك الوقت قد قرروا بعد أي نوع من التقويم يجب أن يعتمدوا عليه. ومن ثم جاء القرار التاريخي بأن تكون الهجرة النبوية هي الحد الفاصل لبداية التقويم الهجري، لتصبح بذلك الهجرة بداية عصر جديد في التاريخ الإسلامي.

تأسيس التقويم الهجري في عهد الخليفة عمر بن الخطاب

بالرغم من أن الهجرة هي التي حددت بداية التاريخ الهجري، إلا أن تأسيس النظام التقويمي بشكل رسمي لم يحدث إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. في السنة 17 هـ، كان عمر بن الخطاب يواجه العديد من القضايا الإدارية والتنظيمية التي تطلبت منه وضع نظام تقويمي موحد، وذلك لتنظيم الشؤون المالية والعسكرية والإدارية في الدولة الإسلامية المتنامية.

إبان ذلك الوقت، كان المسلمون قد استخدموا التقويم الميلادي في بعض المناسبات، وكانوا يعرفون بالسنوات الهجرية ولكن دون تحديد دقيق أو ثابت لبداية السنة. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد اكتشف أن بعض القضايا الهامة في الإدارة تحتاج إلى تحديد دقيق للزمن، لذلك قرر أن يضع نظاماً موحداً لاحتساب السنوات.

مَن وضع التاريخ الهجري تحديدًا؟

تتمثل الإجابة الدقيقة على هذا السؤال في أن الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي أمر بوضع التاريخ الهجري، حيث أنه قد استشار الصحابة في هذا الشأن، فاقترح بعضهم أن يبدأ التقويم الهجري من السنة التي وُلِدَ فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فيما اقترح آخرون أن يبدأ من السنة التي نزل فيها الوحي. إلا أن الرأي الذي استقر عليه الصحابة في النهاية كان أن يُعتمد تاريخ الهجرة النبوية كنقطة انطلاق.

أحد الأسباب الرئيسة وراء اختياره لهذا التاريخ هو أن الهجرة كانت حدثًا فارقًا في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث بدأت بتأسيس المجتمع المسلم في المدينة المنورة، وفتح المجال لتأسيس الدولة الإسلامية على أساس من العدل والمساواة.

كيفية اختيار بداية السنة الهجرية

لم يكن اختياره مجرد حادثة عابرة أو اعتباطية، بل كان اختيارًا معبرًا عن القيم والمبادئ التي تأسس عليها المجتمع المسلم. الهجرة لم تكن مجرد انتقال جغرافي من مكة إلى المدينة، بل كانت تحولًا اجتماعيًا وسياسيًا عميقًا، فقد أسس المسلمون فيها مجتمعًا جديدًا قائمًا على العدالة الاجتماعية والتعاون بين المهاجرين والأنصار. كما أنها وضعت أساسًا لتقويم جديد يمكن أن يعتمد عليه المسلمون في كل مكان وزمان.

بداية السنة الهجرية

نظرًا لأن التقويم الهجري يعتمد على الدورة الشهرية للقمر حول الأرض، فكل شهر هجري يبدأ عند رؤية الهلال الجديد، ولهذا السبب لا يتطابق عدد أيام الشهر الهجري مع عدد أيام الشهر الميلادي، حيث أن السنة الهجرية تتكون من 354 أو 355 يومًا، مما يجعلها أقصر من السنة الميلادية التي تتكون من 365 أو 366 يومًا. ويعني هذا أن شهر رمضان، على سبيل المثال، يتحرك سنويًا نحو الأشهر السابقة في التقويم الميلادي.

وقد أدى هذا الاختلاف إلى تحديات بالنسبة للدول الإسلامية التي لا تعتمد على التقويم الميلادي في ممارساتها اليومية. فقد كان من الصعب على المسلمين، خصوصًا في أماكن غير إسلامية، تحديد مواعيد مناسبة لمختلف الطقوس والمناسبات الدينية. لكن، على الرغم من ذلك، فقد تم اعتماد التقويم الهجري في أغلب الدول الإسلامية.

تطور التقويم الهجري عبر العصور

بعد أن أصبح التقويم الهجري جزءًا من الحياة الإسلامية، بدأت العديد من الدول الإسلامية في استخدامه بشكل رسمي، بينما ظلت بعض الدول تعتمد على التقويم الميلادي بشكل أساسي. ولكن مع تطور العلوم الفلكية في العصر الحديث، تم تحسين الحسابات الفلكية الدقيقة التي تعتمد عليها رؤية الهلال في تحديد بداية الشهر الهجري، ما جعل تحديد الأشهر الهجرية أكثر دقة.

ومع تقدم العصور، بدأ المسلمون في العديد من البلدان استخدام التاريخ الهجري جنبًا إلى جنب مع التاريخ الميلادي، خاصة في الأمور الدينية، في حين تم الاعتماد على التاريخ الميلادي في المسائل الاقتصادية والإدارية.

أهمية التاريخ الهجري في العصر الحديث

اليوم، لا يزال التاريخ الهجري يحتفظ بمكانته الخاصة في العالم الإسلامي، حيث يُستخدم في تحديد مواعيد العديد من المناسبات الدينية، مثل شهر رمضان، وعيد الأضحى، وعيد الفطر، والمناسبات المرتبطة بالحج. كما أنه يعد مقياسًا مهمًا في العديد من البلدان الإسلامية لتحديد بداية العام الدراسي أو التوظيف الحكومي.

في ظل العالم المعاصر، حيث تتداخل العولمة وتزداد العلاقات بين الأمم والشعوب، يصبح التقويم الهجري أكثر تعقيدًا في سياقات اقتصادية ومالية غير إسلامية. ولكن على الرغم من هذه التحديات، يظل التاريخ الهجري جزءًا لا يتجزأ من هوية الأمة الإسلامية.

الخاتمة

التاريخ الهجري هو تقويم قِدَم، ولكنه يعكس عراقة الحضارة الإسلامية وتاريخها العميق. وقد بدأ هذا النظام الزمني مع الهجرة النبوية الشريفة، وأصبح أساسًا للإطار الزمني الذي يحدد مناسبات هامة في حياة المسلمين. ورغم التحديات التي قد يواجهها المسلمون في تطبيقه في العصر الحديث، يبقى التقويم الهجري رمزًا للهوية الإسلامية وأساسًا لعديد من الممارسات الدينية التي تحدد حياة المسلمين بشكل مستمر.